سورة النازعات - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: القائلون بأن معرفة الله لا تستفاد إلا من الهادي تمسكوا بهذه الآية، وقالوا: إنها صريحة في أنه يهديه إلى معرفة الله، ثم قالوا: ومما يدل على أن هذا هو المقصود الأعظم من بعثة الرسل؛ أمران الأول: أن قوله: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} يتناول جميع الأمور التي لابد للمبعوث إليه منها، فيدخل فيه هذه الهداية فلما أعاده بعد ذلك علم أنه هو المقصود الأعظم من البعثة والثاني: أن موسى ختم كلامه عليه، وذلك ينبه أيضاً على أنه أشرف المقاصد من البعثة والجواب: أنا لا نمنع أن يكون للتنبيه والإشارة معونة في الكشف عن الحق إنما النزاع في إنكم تقولون: يستحيل حصوله إلا من المعلم ونحن لا نحل ذلك.
المسألة الثانية: دلت الآية على أن معرفة الله مقدمة على طاعته، لأنه ذكر الهداية وجعل الخشية مؤخرة عنها ومفرعة عليها، ونظيره قوله تعالى في أول النحل: {أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون} [النحل: 2] وفي طه: {إِنَّنِي أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدني} [طه: 14].
المسألة الثالثة: دلت الآية على أن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة.
قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] أي العلماء به، ودلت الآية على أن الخشية ملاك الخيرات، لأن من خشى الله أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شر، ومنه قوله عليه السلام من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.


{فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20)}
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الفاء في {فَأَرَاهُ} معطوف على محذوف معلوم، يعني فذهب فأراه، كقوله: {فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانفجرت} [البقرة: 60] أي فضرب فانفجرت.
المسألة الثانية: اختلفوا في الآية الكبرى على ثلاثة أقوال: الأول: قال مقاتل والكلبي: هي اليد، لقوله في النمل: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل: 12] آية أخرى {لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} [طه: 23] القول الثاني: قال عطاء: هي العصا، لأنه ليس في اليد إلا انقلاب لونه إلى لون آخر، وهذا المعنى كان حاصلاً في العصا، لأنها لما انقلبت حية فلابد وأن يكون قد تغير اللون الأول، فإذاً كل ما في اليد فهو حاصل في العصا، ثم حصل في العصا أمور أخرى أزيد من ذلك، منها حصول الحياة في الجرم الجمادي، ومنها تزايد أجزائه وأجسامه، ومنها حصول القدرة الكبيرة والقوة الشديدة، ومنها أنها كانت ابتلعت أشياء كثيرة وكأنها فنيت، ومنها زوال الحياة والقدرة عنها، وفناء تلك الأجزاء التي حصل عظمها، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين بهما صارت العصا حية، وكل واحد من هذه الوجوه كان معجزاً مستقلاً في نفسه، فعلمنا أن الآية الكبرى هي العصا والقول الثالث: في هذه المسألة قول مجاهد: وهو أن المراد من الآية الكبرى مجموع اليد والعصا، وذلك لأن سائر الآيات دلت على أن أول ما أظهر موسى عليه السلام لفرعون هو العصا، ثم أتبعه باليد، فوجب أن يكون المراد من الآية الكبرى مجموعهما.
أحدها: قوله تعالى:


{فَكَذَّبَ وَعَصَى (21)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معنى قوله: {فَكَذَّبَ} أنه كذب بدلالة ذلك المعجز على صدقه.
واعلم أن القدح في دلالة المعجزة على الصدق إما لاعتقاد أنه يمكن معارضته، أو لأنه وإن امتنعت معارضته لكنه ليس فعلاً لله بل لغيره، إما فعل جنى أو فعل ملك، أو إن كان فعلاً لله تعالى لكنه ما فعله لغرض التصديق، أو إن كان فعله لغرض التصديق لكنه لا يلزم صدق المدعي، فإنه لا يقبح من الله شيء ألبتة، فهذه مجامع الطعن في دلالة المعجز على الصدق، وما بعد الآية يدل على أن فرعون إنما منع من دلالته عن الصدق لاعتقاده أنه يمكن معارضته بدليل قوله: {فَحَشَرَ فنادى} [النازعات: 23] وهو كقوله: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدائن حاشرين} [الشعراء: 53].
المسألة الثانية: في الآية سؤال وهو أن كل أحد يعلم أن كل من كذب الله فقد عصى، فما الفائدة في قوله: {فَكَذَّبَ وعصى}؟ والجواب: كذب بالقلب واللسان، وعصى بأن أظهر التمرد والتجبر.
المسألة الثالثة: هذا الذي وصفه الله تعالى به من التكذيب والمعصية مغاير لما كان حاصلاً قبل ذلك، لأن تكذيبه لموسى عليها لسلام وقد دعاه وأظهر هذه المعجزة. يوفى على ما تقدم من التكذيب ومعصيته بترك القبول منه، والحال هذه مخالفة لمعصيته من قبل ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8